Africa Social Project

تجارب اجتماعية

تجارب اجتماعية

مشروع مكتبة القرية

قرية حِزَيمَة

تقع قرية حِزَيمَة في شرق النيل في ريفي كريمة في الولاية الشمالية بين كريمة شمالا وكورتي جنوبا. مكتبة الدكتور ابراهيم بلال إحدي منارات العلم والمعرفة بقرية حِزَيمَة.

مكتبة د. إبراهيم علي بلال

بقلم د. إيناس إبراهيم علي المدير التنفيذي

بداية الحلم والفكرة كانت يوم 25 فبراير 2018 بعد انتهاء العام الدراسي والتفكير بين أفراد كرام من أبناء الأهل فيما يفعله الاطفال في الإجازة، وخصوصا مع ارتفاع درجات الحرارة والفراغ الكبير ولغرس حب القراءة والاطلاع في نفوس أطفالنا. وتبلورت الفكرة واتسعت وتم إنشاء مجموعة واتساب سميت باسم العودة إلى القراءة، ضمّت عددا كبيرا من المستنيرين والمستنيرات والفاعلين من أبناء الأهل لإنشاء مكتبة قراءة تحوي كتبا دينية، وثقافية، وعلمية. وتمّ تكليف إداريين ومسؤولين عن المال لتسيير المهام، وتم تحديد الاحتياجات من تأثيث، وكتب، وصيانة، وغيرها. وتمّ فتح باب التبرعات. وانهالت التبرعات بردا وسلاما — مساهمات عينية في شكل كتب، ومساهمات مادية باسماء الاطفال  حتي وصلت مبلغا محترما فتمّ توزيع المهام إلي مجموعتين: مجموعة الخرطوم ومجموعة حِزَيمَة. وتمّ إنجاز المبني من صيانة، وطلاء، وتكييف، و مكتبة كتب. وأنجزت مجموعة الخرطوم كذلك مهامها من أثاثات، وكتب، واليافطة وغيرها.

بعد اكتمال كافة التجهيزات تم وضع اللوائح المنظمة للمكتبة وتحديد الإداريين والمشرفين، واكتمل الحلم. وفي يوم 20 مارس 2018 تمّ الافتتاح وسط حضور غفير من أهل قرية حِزَيمَة والقري المجاورة. وقد صاحب البرنامج العديد من الفقرات الجاذبة والمشاركات من الأبناء ونالت المكتبة والفكرة دهشة وإعجاب الجميع. ولا تزال هنالك العديد من الخطط لتطوير المكتبة وتوسعتها إلي أن تصبح مؤسسة تعليمية ثقافية تقدم خدماتها للجميع.

وتلبي المكتبة احتياجا ماسا وضروريا لمن حولها من صغار وكبار، وليس هذا بغريب علي أهلنا، فقد شهدت هذه البقعة المباركة منذ زمن بعيد قبل نحو سته وثلاثين عاما في عام 1985 تطورا في العلم والمعرفة. وكان الفضل في ذلك يرجع للدكتور إبراهيم بلال والاستاذ سمير عبد الله بلال في وضع اللبنة الأولي لجمعية النهضة، والمكتبة الضخمة التي استمرت لعشرات السنين. وهاهي مكتبة الدكتور إبراهيم تصبح امتدادا لتلك البذرة.

وقد زيّنت جدران المكتبة سيرة عطرة عن الراحلين الذين كانوا منارات لاِنسان حِزَيمَة وقد اسهموا في فتح دروب المعرفة لكل من حولهم: الدكتور ابراهيم، والأستاذ سمير عبد الله بلال، والأستاذة أحلام محمد الحسن رحمهم الله برحمته الواسعة.

وبعد الافتتاح شهدت المكتبة حضورا كبيرا من قبل الاطفال والكبار فاق التوقعات. والحضور في تزايد كل يوم. وقد تمّ تزويد المكتبة بجهاز كمبيوتر وأدوات رياضية (كرة قدم، كرة طائره، كرة سلّه). وتقام برامج جاذبة وفعاليات مصاحبة للمكتبة منها دورة لكرة القدم، ليالي ثقافية، ومسابقات ومطارحات شعرية وتُقدّم الجوائز.

كما قدمت المكتبة الكثير من المحاضرات التنويرية والدورات التدريبية كدورة للهلال الاحمر في التمريض المنزلي والإسعافات الأولية حيث تخرَّج أربعون دارسا ودارسة من كافة أنحاء قرية حِزَيمَة, كما اقيمت محاضرات عن الرعاية الصحية المنزلية وصحة الأم والطفل بواسطة أطباء أكفاء من أبناء المنطقه. وأُقيمت كذلك دورة تدريبية عن أساسيات الحاسوب واقيمت محاضرة عن فنون الخطابة والتقديم البرامجي بواسطة خبير تربوي. كما تُقام في المكتبة دروس تقوية لطلاب الشهادة السودانيه وطلاب شهادة الأساس والعديد من الانشطة الأخري.

وفي العام الماضي أُقيم معرض التراث الأول وحوي مشغولات يدوية واكسسوارات من صنع بنات القرية، وتم عرض تراثيات وتخللته برامج تراثية.

كما يُقام في المكتبة كل جمعة في فترة الإجازة برنامج تَعَلُّم مهارات الطبخ الذي تتدرّب فيه البنات على طبخ وصفات يقمن بتطبيقها في منازلهن.

ويتم الآن الإعداد لافتتاح مركز الاستاذ المرحوم سمير عبد الله بلال التقني. وقد تم شراء عدة أجهزة حاسوب محمول (لاب توب) وطابعة، وسيتم تكملة باقي الأجهزة ليفتتح في إجازة الصيف القادم.

وتقام في كل إجازة مسابقة يجتهد فيها أطفال المكتبة في إعداد الجرائد الحائطية مثلا، كما تُقام مسابقة في الزراعه، ويتم تحفيز الفائزين بجوائز قيمة.

وقد أصبحت المكتبة الآن مزارا للمدارس ورياض الاطفال بقرية حِزَيمَة وذلك بغرض نقل التجربة والاستفادة من إمكانياتها لأكبر عدد من القرّاء والمستخدمين.

التعليم والتدريب
المنطقة الصناعية
الخرطوم بحري

الحُلْم الذي أصبح واقعا: قصة مركز القرشي للتدريب المهنيّ والتلمذة الصناعيّة

د. حامد فضل الله


كنتُ منذ سنوات أحلم بتكوين مركز للتدريب المهنيّ في الخرطوم، متيمناً بالتجربة الرائدة لمركز التدريب المهني، الذي أنشأته ألمانيا الاتحادية في خمسينيات القرن الماضي في الخرطوم، وكنت أعرف بعض من تتلمذ فيه، واحدهم لا يزال يعمل في برلين بعد مغادرته السودان.

عندما أطلعت الصديق د. محمد محمود (بريطانيا) بهذا الحُلم، جاء ردُّه بطريقته المعهودة: عظيم، عظيم يا حامد، ومن يومها يلاحقني بالسؤال… وعندما أسرت للصديق المهندس بلة البكري، الذي لم أتشرف بمعرفته شخصياً، وهو يعيش بالخارج أيضاً، وإنما عبر كتاباته التحليلية النيرة في الصحافة الإلكترونية، جاء رده تواً : “سلامات يا حامد”، قلت:  “أفكر في إنشاء مركز للتدريب المهني في الخرطوم، وهو حُلم يراودني منذ سنوات عديدة، جميع محاولاتي أثناء حكم الإنقاذ فشلت، بالرغم من أن المشروع ، طوعي وليس من أجل الربح، وإنما مساهمة منّي لتقديم القليل لوطننا المنكوب. والظروف الآن مواتية، وربما يتحقق الحُلم، سوف أضعك في الصورة بحكم أنّك مهندس”. قال: “يا إلهي فهذا الخبر ” موسيقى لأذنيّ” كما يقولون، فهو حلم يراودني كلّ يوم. فقد انقضت قرابة الأربعين عاماً منذ تخرجنا من جامعة الخرطوم، عملت خلالها في أوربا والشرق الأقصى في كبريات مشروعات البنية التحتية. تعلمت الكثير وغاب عنّي الكثير. بيد أن الذي بقي معي طوال هذه السنوات هو ضرورة التعليم الفنّي (المهني) لبلدنا وكيف أنّ الضرر الذي يحدث من غياب التدريب المهني ضرر كبير يؤخر عجلة النماء ويقعد بشبابنا عن فرص العمل المنتج. وها أنت تطرق هذا الباب وكأنك تعلم ما بسريرتي. “طوالي احسبني معاك!” وعندي من الزملاء المهندسين من هم على استعداد للمشاركة الفاعلة. وحتما سيرى المشروع النور هذه المرّة”. 

كانت هذه الكلمات الصادقة من الصديقين بذرة التشجيع وشحذ الهمّة. 

وعندما اطلعت شقيقي الأصغر يوسف فضل الله، على مشروعي، كتب يوسف:

“كان أخي الدكتور حامد فضل الله، قد أباح لي منذ فترة طويلة، أي قبل عدّة أعوام أن له رغبة قوية في إنشاء مركز للتدريب المهني كسداد لضريبة الوطن الذي ترعرع فيه وظلّ يكرر هذه الرغبة من وقت لآخر وكنت حينها  أحسّ بأنه لو كلفني بنقل جبل لكان أهون عليّ من هذا العمل وذلك لأنّه لم تكن لي أدنى فكرة بمراكز التدريب ومن أين أبدأ وماهي الاحتياجات الواجب توفيرها لهذا العمل، ولكن مع إصراره وكثرة ترديده لهذه الرغبة، بدأت أفكر بجدية في تنفيذ هذا المشروع”.

لقد كنت واثقاً من شقيقي يوسف وهو ربّان الأسرة بالداخل، وما أعرفه عنه بالجديّة وبعد النظر وحسن التدبير.

وكانت الضربة الأولى حين استعان يوسف بالأستاذ حسن فتح الباب مدير مركز اسبارك للتدريب المهني والتلمذة الصناعية، الذي قام بعمل دراسة الجدوى وكانت في أقلّ من أسبوعين جاهزة مكتملة وشاملة.

وقمت بدوري بترتيب أوراقي استعدادا للاِتصال بالجهات الألمانية المُختصة والمنظمات الأخرى ذات الصلة،  لشرح المشروع وتذكيرهم بدورهم السابق في مجال التنمية والتدريب، مع توقع مساعدات فنية وعينية تعيننا في هذا المجال، كما اتصلت باتحاد المهندسين السودانيين في برلين، وتحمّست قيادتهم للمشروع، وهو ضمن برامجهم المعدّة سلفاً للسودان كما يقولون. ثم جاء وباء الكورونا والتقلبات السياسية في السودان التي وصلت ذروتها في 25 أكتوبر 2021، وعدم الاستقرار السياسي، فأصبحت كلّ الأبواب مغلقة، وكأنني أقف أمام جدار سميك يستحيل اختراقه، كما قلّت همّة اتحاد المهندسين، ربما لنفس الأسباب أو أسباب أخرى لا أعرفها ولا أبحث عنها، رغم أن ممثلهم في الخرطوم المهندس التيجاني الشايب ولاحقا المهندس عاصم حسن رئيس اللجنة التنفيذية، وهو المقيم في برلين وكان في زيارة خاطفة للخرطوم، أطلعا على الموقع المُقترح وتأكدا من جدية المشروع.

لم أفقد الأمل، وكان يوسف أكثر تفاؤلا، فقد كان في هذه الفترة، قد حصل على التصديق المبدئي من المجلس الأعلى للتدريب المهني وقد تمّ ذلك في وقتٍ وجيزٍ بمساعدة الأستاذ حسن فتح الباب. وكان اللحظة الحاسمة الاستعانة بالمهندس النابه عبد الكريم ابن الخال عوض نجدي الذي كان يشرف بهمة عالية على سير العمل في فترة عمليات البناء والتشييد، وكان يقوم بحساب كميّات المواد المطلوبة من مواد البناء وخلافة بدقةٍ شديدةٍ وكان يتابع المقاول والعمال في التنفيذ بحصافة لا تخلو أحياناً من شدة أيضاً، مما وفر لنا مبالغ مالية ضخمة كانت ستضيع بسبب سوء التقديرات وعدم المتابعة اللصيقة في التنفيذ.

وتم استجلاب الأثاث لغرف التدريس والكافتيريا على يد حداد مقتدر من الجزيرة، ويتمتع بأمانة قلّ أن  تجدها في مثل هذه المهن، فقام  بكلّ أعمال الحدادة من تصنيع الأجلاس والدواليب والمقاعد والترابيزات وخلافه، وتمت كما يقول يوسف بصورة أعجبت كلّ من رآها، بل ظنّ كل من رآها أنها مستوردة من الخارج. كان الأخ يوسف يستعين بالكثير من أصحاب الخبرة في هذا المجال ومنهم الآن من يقوم بالتدريس في المركز، فكانت أبوابهم مفتوحة أمامه، ولم يبخلوا عليه بالإرشاد والنصيحة والتنبيه والتحذير، يفعلون ذلك لوجه الله، مما يدحض  القول المزعوم بأن أخلاقنا تغيرت وقلت مروءتنا وشهامتنا والعزوف عن تقديم العون لبعضنا.

وقد كان المساعد الأكبر ليوسف في هذا الإنجاز هو شقيقنا الأصغر عبد الرحمن فضل الله، دينمو الأسرة الممتدة، حينما كان يوسف مشغولاً بالتخطيط، كان عبد الرحمن يقوم بإنجاز المهمة الصعبة، التنفيذ وجلب المواد وصرف استحقاقات العاملين.

كنتُ أحرص عندما يتوجّه أحد أصدقائي إلى الخرطوم على حثّه بأن يزور المركز ويفيديني بانطباعه، فقد كنت بسبب تقدم العمر وصعوبة الحركة عاجزا عن التوجه بنفسي للخرطوم.

زار المركز  عدد من أصدقائي المقربين في برلين، المهندس مصطفى سعيد والذي استفدنا من ملاحظاته كثيراً وكذلك الأخ جعفر سعد بصحبة شقيقه المهندس حيدر المقيم في السودان والدكتور هاشم مساوي المقيم في المدينة المنورة وكذلك المهندس والخبير في علم الكمبيوتر محمد زين عامر. وقد ثمّنوا المشروع وأشادوا به، ومنهم من وعد بالمساعدة في تطويره أيضاً.

ورغم فقدان المساعدات التي كنّا نتوقعها وشح الموارد وغلاء الأسعار وضعف التمويل، حيث نعتمد في التمويل على مواردنا الذاتيّة اعتماداً كاملاً، تمّ  إنجاز  المشروع قبل نهاية عام 2022.  تم الإعلان عن المركز وأن تبدأ الدراسة بنظام الكورسات القصيرة أي كورسات الثلاثة أشهر لكل من القسمين: قسم الكهرباء العامة وقسم كهرباء السيارات.  والحمد لله بدأنا الآن التدريس في مجال تخصص كهرباء السيارات في فبراير 2023 ونسأل الله مزيداً من التوفيق لتطوير المركز حتى يكون من المراكز المميزة في مجال التدريب المهنيّ والتلمذة الصناعية.

ويكتب يوسف “من أهمّ الأشياء التي ساهمت في نجاح المشروع، الثقة المُطلقة التي أولاني إيّاها أخي حامد والميزانية المفتوحة التي جعلها تحت تصرفي،  فكان لهذين العاملين أثراً كبيراً في الاستمرار في المشروع والصبر عليه حتى تم بحمد الله وتوفيقه”.

وفي ختام هذا التقرير، لابدّ لي من ذكر تكلفة المشروع. فقد بلغت التكلفة حتى كتابة هذا التقرير مبلغ 15265000 جنيه سوداني ( خمسة عشر مليون ومئتان وخمسة وستون ألف جنيه سوداني ) أي ما يعادل 24230 يورو ( أربعة وعشرون ألف ومئتان وثلاثون يورو ).

إنني على دراية كاملة بأنّ ما تمّ حتي الآن يمثل بداية متواضعة. إن الاستمرارية والتخطيط لضمان توفير  التكاليف الجارية، وهي ليست هينة، هما حجر الأساس للاستمرارية. ولكنني لن أيأس من اختراق الجدار في وطني الثاني الوصول لجهة الاختصاص، مردداً قول الشاعر المصري أمل دنقل:

  آه .. ما أقسى الجدار

 عندما ينهض في وجه الشروق

… …

ربما لو لم يكن هذا الجدار ..

ما عرفنا الضوءِ الطليق !!

ولن أيأس من تذكير اتحاد المهندسين السودانيين في برلين بوعدهم إنني لا أريد منهم مساعدة عينية وإنما فنية فقط، فمنهم من نال تدريبه المهني وشهادته الفنية من ألمانيا، ويمارس مهنته بنجاح ومنذ سنوات في نفس مجال تخصص المركز الخرطومي، وتراكمت خبرتهم التي يمكن أن يدفعوا بها إلى أبناء وطنهم.

وأقول ختاماً، لولا جهود ومثابرة وصبر الشقيقين العزيزين يوسف وعبد الرحمن ما كان لهذا المشروع أن يرى النور. وأضيف وبدون مواربة أو تواضع زائف أنه مشروعهما، والفضل يعود لهما أولاً، وإن كان لي شرف الحُلم والفكرة، فإنني أحتل المرتبة الثالثة بعدهما.

برلين في 29 مارس 2023